سلمى 5 .. في حجرة سلمى
هكذا كانت آخر جملة في حكاية تعلقي بالنساء ذوات الأظافر لرجاء التي كانت تستمع لي بإنصات و تركيز شديدين وبدا على وجهها الحزن والشفقة على ما حدث لي .. وهو ما كنت مستغربا له .. فأنا أعلم أنّ كلّ من يستمع لقصتي تلك سيلومني أنا أولًا و أخيرًا ولن يلقي لصغر سني أي أهمية خاصة لأنّي كنت طفلًا واعيًا ذكيًا .. بالتأكيد كان يجب ألّا استمر فيما أفعله بنفسي و بالتأكيد كنت مدركًا مدى خطأ ما كنتُ أفعله .. لم يكن لديّ أيّ مبرّر لما فعلت ولم يكن هناك أيّ مبرّر لاستمراري فيما كنت أفعل حتى وصل بي الحال لحالة إدمان مرضي .. هكذا قلت لنفسي! .. لكن كان يبدو أنّ لرجاء رأيٌ آخر :
- اسمعني كويسّ .. انت مش لازم تعذّب نفسك كذا وتحسِّس نفسك بالذنب بالشكل دا أبدًا .. من طريقة كلامك عرفت ليش سلمى بتحبّك كذا .. ومن حكايتك افتهم لي أن موضوع حب الأظافر في دمك من أول لحظة أصلًا ..
استطردت رجاء:
- يعني مش حالة ظهرت بالممارسة معاك .. وعشان أثبت لك .. اسأل نفسك وحاول ترجع بأبعد حاجة كنت تذكرها عن نفسك وانت صغير .. كيف كنت تذكر نفسك؟ مش كنت تهتم بالأظافر من وأنت صغير والّا ظهر اهتمامك فيهم بس بعد ما بدأت تلعب بالمي (الماء) أو لما شفت هذيك المجلة ؟!
هنا أطرقتُ أنا طويلا محاولًا سبر أغوار نفسي .. حتى نفذ صبر رجاء:
- هاه؟! ..
أفقت قائلا:
- بصراحة مش متأكد! .. بس مش قادر أتخيّل نفسي وأنا مش مهتم بالأظافر أبدًا .. لا من قبل ولا بعد أي وقت أبدًا ... اللي متأكد منه تمام إنّه لو متّ كمان يمكن كمان تجلس معي هذي الحكاية (أي أن أظل متعلقا بذوات الأظافر).. مش متذكر نفسي لمّا كنت صغير أبدا ولااا لحظة إنّي ما كنتش مهتم ببنت فيها أظافر إنّي ما أركز فيها أو تمّر بدون ما أهتم أو أشوف لها أبدا..
صمتُّ برهة لأستطرد حديثي:
- .. بس في حاجة كمان..
استطردت محدثا نفسي بصوت عالٍ:
- علاقتي مع (فلانة)... !(الفتاة التي حدثتكم عنها ..الفتاة الثالثة التي لم أمارس معها أي شيء .. حب الطفولة الأول)
قفز في رأسي تلك الفكرة و أنا أحدث رجاء..كانت علاقتي عادية معها و شعوري كان مختلفا و نشوتي بها و معها كانت مختلفة ومن نوع آخر.. و يبدو أن رجاء كانت قد فهمتني وقتها أكثر مني فقاطعت عبارتي و أفكاري:
- أني عارفة في ايش تفكّر ...أني متأكدة إنّـِه (إنها) ما كانش معـِه (معها) أظافر.. و بعدين الإحساس هذا اللي تحس به معِه شي تاني ..لمّا تكبر بتعرفه و يمكن كمان يجلس معك طول عمرك .. .. اللي أقدر أقوله لك إنه إحساسك بالشبع مش زي إحساسك لمّا ترتوي من المي ..حاجتك للهواء مش زي حاجتك للأكل ولا زي حاجتك للمي.. هذا شي وهذاك شي تاني، لكن برضه ما ينفعش نقول إنّ المي أهم من الأكل أو الهواء .. الكل مهمين و بس.. فهمتني؟!
.. قاطعتها قائلا :
- قصدك إنّي .. أحبِّه (أحبها)؟!
أجالت مقطّبة حاجبيها متصنّعة الغضب بشيء من الابتسام:
- ويعني انت ما تحبش سلمى طيّب دحّين ؟!!
ارتبكتُ ارتباكا شديدا و لم أحر جوابًا و بلعت ريقي الذي بدأ يجف في حلقي:
- لاااا لا لا مش قصدي كدا .. آ آ
أومأت نحوي تهدئ من روعي بيدها ضاحكة:
- ههههه! .. أني عارفة إنّك تحب سلمى كثير حتى لو ما كانش معِه أظافر.. بس أي إنسان في هذا الوجود لازم يمرعليه أحد في حياته يكون مميّز مش ممكن يتبدّل بغيره أبدا... و انت هذا اللي حصل لك مع (فلانة!)... (هي تقصد تلك الفتاة التي لن أذكر اسمها هنا (في الحقيقة لا أريد حتى أن أستعير لها اسما كما استعرت اسم "سلمى" ، ذلك إكراما لمكان سلمى في قلبي تلك الفتاة صحيح أنها كانت حبي الأول لكن سلمى هي اليوم و ستظل حبي "الوحيد".. إن مجرد أن يذكر اسم سلمى الحقيقي على مسامعي تنتابني حالة مركبة من القشعريرة في بدني و يجف ريقي و أشعر بالارتباك والتوتر و يغمرني الحنين و الشوق ورغبة في البكاء أيضا! لا أستطيع أن أصف هذا الشعور بدقة هنا إذ لا تسعفني الكلمات لكنها حالة قريبة مما يسمى اليوم Panic Attack أو "الهلع" .. ستعرفون لماذا إذا واصلتم قراءة بقية فصول حكايتي هذه!)..
استطردت رجاء بلغتها تكلّمني وكأنها تحكي نفسها أو أحدا ما تعرفه جيدًا!! ..
أنصتُّ لها وحفظت كلماتها وإن لم أفهم كل ما تقصد بالضبط حينها..
.. ونعم .. استنتاجها كان صحيحا .. لم تكن الفتاة ذات أظافرملفتة مطلقا ( زوجتي العزيزة كذلك!)
تعرفون؟! فهمت هذا الكلام جيدًا و بصورة عملية فقط من وقت قريب جدًا ..هناك مواقف تمرّ علينا في حياتنا.. بالأخص في سنين الطفولة و المراهقة و الشباب الأولى ..أشخاص يرتبطون بموقف أو حال يطبعون في حياتنا مشاعر أو ذكريات أو حتى شعورًا عارما بالحب أو العشق لا تمسحه الأيام حتى لو تعرّضنا لمواقف أخرى غير جيدة معهم أو تغيرّت طباعهم تجاهنا أو تغيّر شعورنا نحوهم من حب إلى بغض ..مع ذلك تظل تلك الذاكرة متألّقة بهم وكأن الذين أمامنا في الحاضر شخوص آخرين غير أولئك ..كمال تلك الأحوال لا يأتي إلّا مع تلك الظروف والأحوال والأزمان الخاصة ..هي مرّة واحدة لا تتكرر! هي حزمة واحدة one package إما أن تكون كلّها أو لا تكون! .. لو تغير من تلك الحزمة عنصر واحد لما كان لتلك الذكريات نفس التأثير فينا ..و لو قابلنا نفس الشخوص في زمن آخر أو في ظروف أخرى فقد نشعر بالغرابة ..أحقا هم هم ؟؟؟ أحقا هم من كنا تكاد تنخلع قلوبنا من أماكنها وتطير لمجرد سماع اسمهم ؟؟ أحقا هم من كانت قلوبنا ترقص و تضطرب لهم ..نعم هم ..ما الذي اختلف؟؟... هم فقط صاروا خارج ذلك الـpakage أو المشهد المكتمل المثالي .. مشهد أو pakage متكامل من ظروف و أماكن و أحوال شخصية و بيئة محيطة إذا اختل أحد عناصرها اختلّت كلها
.. من هنا تنطلي علينا خدعة الحب الأول فيما أظن!
برأيي.. نحن نظن أنّنا نحبّهم ..لكنّنا في الحقيقة متعلقون فقط بتلك الأيام أو تلك الأحوال.. متعلقون بالمشهد المثالي الذي حدث و إياهم لنا ..متعلقون بذكراهم فقط .. في تلك اللحظات التي وجدت لنفسها مكانا تحفر نفسها فيه داخل كهوف ذاكرتنا .. هم كانوا جزءًا من ذلك كله فقط ..فقط بحالهم ذاك و بصورتهم .. تلك المقاطع وحسب .. لو تغيرت زاوية الزمان أو المكان لتغير الشعور ..لذا نحن نمضي في حياتنا! ..منا من يعلق في ذلك الفخ اللعين ..فخ الذكريات والزمان الذي مضى فيظلّ يعيد ويكرّر نفس المقاطع والمشاهد المطبوعة في ذاكرته ، تراه يعيش عالمًا موازيًا- إن صح التعبير- أو تراه يحاول أن يكيّف عالمه ليلتئم و تلك المقاطع و المشاهد .. يبني عليه باقي أطر حياته .. فيَتعب هو ويتُعِب معه غيره ..
و منّا من يكون أكثر ذكاء .. يتجاوز هذا ويعلم أن ما فات لن يعود ، تلك لحظات جميلات تستحق الاحتفاظ بها في سجل الذاكرة لنستعرضها من حين لآخر فتحدث في أنفسنا نشوة و سعادة تعيننا على وعثاء واقعنا وحاضرنا ، فهو يحتفظ بالذكرى الجميلة و .. و يمضي! .. و منّا ومنّا!!
.. و منّا من هولا ذا ولا ذاك - وهم الأكثر برأيي ، في هذا الوقت بالذات مع لواث أنماط حياتنا الحاضرة المثقلة بهموم و غموم و شواغل و مشتتات - هؤلاء الذين أسميهم "الخاوين" ترى أحدهم "خاويًا" من المشاعر وخاويا من إنسانيته !..هم الضائعون التائهون! ..هؤلاء فقدوا أنفسهم و ضاعوا في مجاهل غير إنسانية ..فقدوا إنسانيتهم أو بعضها ، تعرّضوا في طريق حياتهم لما يشعرهم بأي شيء آخر إلّا كونهم بشرًا يحبّون ويشعرون ويبكون لما يستحق أن يبكى عليه .. يعيشون الذكريات و الأحلام والآمال و ..و الآلام! لكنها ذكريات و أمال وآلام "خاوية"!
يخرجون من دنياهم خاليي الوفاض وإن امتلأت أيديهم وجيوبهم ..أولئك يكونون غالبا إما وقود حرب أو وقود مال أو ..وقود أنفسهم على حساب أرواحهم! .. أو ليس خلق الله النار؟ لمن؟!
ستقولون نسيت الشهوات؟ لا! .. في اعتقادي الشهوة من جبلّة الإنسان ..هي إمّا أم المصائب أو أساس السعادة ..العشق شهوة ..الحبّ شهوة ..التعلّق شهوة ..والبغض أيضا شهوة! الشهوة إمّا رفعت صاحبها أو هوت به .. وهل أنزل آدم من الجنة إلّا شهوة .. وهل يرتقي أهل العلم أو الفنّ أو الصناعة إلّا عندما يتحوّل عملهم إلى شغف؟ والشغف.. الشغف شهوة .. المشاعر شهوات كما أنّ الشهوات هي مشاعر في ذات الوقت! .. لعلّ الحديث عن هذا يطول و قد يكون محل جدل ليس هذا مقامه، يحتاج هذا لتفصيل قد أعود له لاحقًا (أو.. لا!..) فقد استطردت جدا على ما يبدو.. آسف!
فقط أحببت الإشارة لأعرض لفكرة و كلمات تركت بوعيي أثرا في زمن ما من تاريخ حياتي .. إذ كما ذكرت لم أفطن لعميق بعض الكلمات التي قالتها رجاء بلغتها المحلية وهي تخاطب طفلا ناهز سنوات طفولته مقبلا على عصر بلوغه و سني مراهقته الأولى وحفرتها حفرًا في ذاكرته كأنها فعلت ذلك بأظافرها الرائعة (أعني حرفيا!!)
أتت سيرة تلك الفتاة قريبا ..في حديث عائلي و بعد أن أصبحت أما يافعة وعلمتُ بطلاقها وأنها لم تدم علاقتها طويلا بزوجها ودبّ الخلاف بعد طفل وحيد أنجبته منه .. سمعت ذلك عنها و مع أني زرت والدتها قريبا و تواصلت ولا زلت في تواصل مع أختها الكبرى لكني أبدًا لم أجرؤ على طلب رقم هاتفها ولا على السؤال عنها إلّا جمعا مع سواها دون تخصيص .. لم أحاول مطلقا (و هي كذلك على ما يبدو) أن اتصل بها أو أن اقابلها .. لعلي لست أريد لتلك الذكريات الرائعة أن تذوي جذوتها في قلبي.. لست أدري .. لعله خوفا من أنها قد تكون نسيتني ولم أكن في مخيلتها سوى واحد كباقي الأطفال الذين مرّت بهم في حياتها! أو لعل كلينا لا يريد لتلك اللقطات القديمة أن تمزّقها جراحات الحاضر ووعثاء أسفار الزمن .. المهم أنه لم يعد بيني وبينها أي تواصل على الرغم من معرفتي بمكان إقامتها ورجائي أن ألحظها أو تلحظني كلّما مررت من شارع بيتها لبعض شأني .. وأصلًا، هل سأعرفها؟! أو هل ستعرفني بعد كل هذه السنين؟؟ أم ستخونني بوصلة قلبي؟ لست أدري حقا! .. و لم أعد أدري أصلا هل أريد رؤيتها لأني أحنّ إليها حقا أم لغرض آخر.. و إذا كانت لا تهتم بي فما الحاجة لي أن أشغل نفسي بطيف و فيلم قديم بالأبيض والأسود عفا عليه غبار الذكريات والزمن ؟ فقط سأمضي كما مضى غيري! ثم هل سيخفق قلبي لها أم لن يفعل .. لو أكل الزمان جمال قسمات وجهها ما عساها تكون ردة فعلي .. و ماذا لو لم يعجبها شكلي أو شخصي بعد تحولات الدهر و فعاله بي؟! هل أنا أصلاً أحببتها أم أني أحببت ذكراها و طيفها فقط؟!
كنت قد قضيت على الكيك الذي قدمته لي رجاء أثناء كلامي معها دون شعور مني وكانت هي قد سكبت لي فنجانا أفرغتُه في جوفي هو الآخر بشغف! .. لا شك أن الحديث أخذنا بعيدا ونالت رجاء ما تريده مني فحديثي الطويل معها كان كفيلا لامرأة في مثل ذكائها أن يكشف كثيرا من جوانب شخصيتي التي يبدو أن رجاء أحبتها جدا، لكن ما أفزعني في بعض اللحظات - وأثارني بطريقة لم أشعر بمثلها في حياتي قطّ إلى يومي هذا- نظراتها لي في بعض أحيانها ..كانت تدخلني في عالم آخر .. إثارة لا حدود لها .. وقشعريرة تنتابني كأنها تخترقني اختراقا وأحس أنّي تحت تأثير سحرها أو كأنها تنوّمني مغناطيسيا (مع أنّي لا أومن بتلك الترهات أصلا)
أخيرا سمعتُ صوت الباب يفتح وهاهي سلمى وصلت! أقبلت محمّلة بأكياس كثيرة بين يديها .. أذهلني أن هناك كيسا كانت تحمله بأطراف ظفريها الأوسط والذي يليه في يدها اليسرى إذ أن يدها ناءت بباقي الأكياس .. صحيح أن الكيس لم يكن يحوي سوى قارورتي عطرعلى ما يبدو وبعض أدوات المكياج إلّا أن سلمى خرقته بظفريها رافعة إياهما كأنهما كلابتين فيه وهو يتدلى بين بقية الأكياس بائسا! الذي جعلني أذهل ليس طول أظافر سلمى الآن كما تعلمون فقد قصت أظافرها الأسبوع الماضي بعد أن حدث ما حدث بيننا .. ما أذهلني أنّي لاحظت مدى سرعة نمو أظافرها! فقد بدأت بالنمو بالفعل..خلال أسبوع أو يزيد قليلا بحيث جاوز طولها حواف أصابعها البيضاء الأنيقة ما مكّنها من إحداث تلك الخروق بالكيس!
ما إن دخلتْ هي حتى رمت الأكياس التي بيديها فوق الطاولة المقابلة وأقبلت نحوي وعيناها تلتمعان فرحة ..كنت أنا وقفت استقبلها فلم أفاجأ بها إلّا أن اعتنقتني وطبعت على وجنتي قبلة حانية احمرّ وجهي إثرها خجلا وسط ابتسامة عريضة أبرقت على وجه رجاء! .. عبق عطرها تسلل نحو أنفي وحلّ به إلى يومي هذا حين اقتربت تقبّلني ...ياااااه!
هل هذه حقا سلمى اللا مبالية ؟؟! هل هي هذه الفتاة جامدة الوجة مقطبة الجبين التي أقابلها كل يوم في المدرسة ؟! هل هي نفسها تلك الفتاة المنزوية النزقة الطباع؟! حدّثت نفسي ..
جَلـَسَتْ بجواري ترحّب بي و تسأل أمّها عن ضيافتي وأمها تبادلها السؤال عن الأشياء التي أحضرتها وهل كلّها كما طلبتها ومن الأماكن التي أشارت عليها بها؟ وسلمى تجيب أن نعم..
تبادلنا شيئا من الحديث، هي وأنا و رجاء، ثم أخذتْ بيدي نحو حجرتها حاملة بيدها بعضا من تلك الأكياس، قالت أنّها تريد أن تريني بعض الأشياء بها !
دلفت بي نحو ذلك الممر الداخلي المستور بذلك الستار الخرزي الأنيق .. كان عبارة عن ممر متوسط الحجم يؤدي إلى الحجر الداخلية للمنزل .. على اليسار مباشرة كان هناك المطبخ نظيفا مرتبا .. جاوزناه نحو حجرة سلمى التي كانت تلي المطبخ ببضع خطوات على اليمين .. كان معلقا على الممر بعض لوحات الزينة الصغيرة وفي نهايته مقابلا لك ما يبدو أنّها حجرة المعيشة لم أتبين وقتها لكن عرفت فيما بعد، وكان هناك على ما يبدو أيضًا حجرة النوم الخاصة برجاء تلي حجرة سلمى وكان هناك على اليسار حمام عرفته من الحصيرة المخصصة للحمامات على الباب، يبدو أنه الحمام الكبيرلأن الذي دخلته أول مرة كان واضحا أنه حمّام الضيوف
كانت حجرة سلمى متوسطة الحجم، هناك النافذة المغطاة بستارة وردية اللون جميلة يعلوها مكيف صغير الحجم .. والحجرة بيضاء ناصعة .. على المدخل من اليمين طاولة تسريحة صغيرة، و هناك السرير يقبع في الركن البعيد .. أعجبني كبر حجمه و شكل اللحاف الذي يبدو مريحا جدا، على اليسار يوجد دولاب الملابس وبجانبه درج من ثلاث طوابق، يقبع في الوسط كرسي دوار وهناك تحت النافذة توجد طاولة صغيرة رتبت فوقها كتب ودفاتر سلمى وبعض الأشياء الأخرى.. أدخلتني سلمى الحجرة وأجلستني مباشرة على السرير حيث رمت بنفسها و جلست فوق المخدة بينما أنا أخذت الطرف الآخر مقابلا إياها، وضعت هي الأكياس جانبا و صرخت بصوت عال رافعة يديها ورأسها ناظرة نحوي..:
- Welcome to my home .. Welcome to my Own world!! -
هكذا بدأت حديثها لي لتستطرد:
- ماما سبقتني وضيّفتك كيك وشاي .. لكن الجايات كثير .. و بعدين ..
هنا تغيرت نبرة صوتها فجأة :
- كنت ناوية أعمل لك ضيافة من نوع خاص!
قالت ذلك وقد نظرت نحو يدها وهي تفرك أطراف أصابعها بأظافرها وانتقلت بعينيها نحو عينيّ ماشرة .. ثم فجأة نظرت إلى أسفل سروالي الذي لمّا جفّ بعد كلّه ..:
- لكن باين ماما سبقتني برضه!
قالتها بنبرة حنق أرعبتني وجعلتني أبلع ريقي! ثم همست:
- شهر بالكثير ويكونوا زي طول أظافر ماما..
اتبعت همستها تلك بابتسامتها المعتادة .. هنا حاولت استدراك الموقف ولملمة شعث نفسي:
- آ آ آآ .. آسف يا سلمى بصـ صـ.. بصراحة أول ممـ ..ما شفت أظافر رجاء ما قدرت اتحكّم في نفسي وإ ..إنتي عارفة !
.. هزّت رأسها مغمضة عينيها ضامّة شفتيها إيجابا وابتسمت .. و بدأت بإخراج الأشياء من الأكياس وعرضها عليّ .. أدوات قرطاسية جديدة، بعض الدفاتر والألوان .. أشياء خاصة بالنساء .. أدوات مكياج لم يلفت نظري منها سوى قارورة طلاء أظافر أساس (Base Coat) وبعض قوارير الطلاء بألوان مختلفة .. عدة أنواع من التسالي والمقرمشات و الحلويات .. و للغرابة (أو ..لا!) .. عدّة إسعافات أوليّة متكاملة من قطن وكحول وشاش ولواصق وحتى حبوب المضاد الحيوي وخوافض الحرارة!..
سألتُ سلمى مستغربا:
- أيش دا كله؟!
..ردّت هي ببرود:
- احتياط! (بمعنى : للاحتياط!)
قامت بعد ذلك من على سريرها وبدأت تريني أشياءها وأخذَنا الوقت في الحديث، وتطرقنا لمواضيع كثيرة وبدأت أحدّث سلمى وتحدّثني! ..كانت عيناها تلمعان كنجوم ليلة صيفية صافية ..لمَ لمْ ألاحظ جمال تلك العينين من قبل! كانت تحرك يديها كثيرًا اثناء حديثها ..يأخذني الشرود فيها أحيانا وأنا أستمع لحديثها بينما تريني أشياءها وألعابها ..شعرها اللامع ذو اللون البني الغامق المنتهي بخصلات باهتة كان يغازلني من تحت كتفيها ليأخذني معه للأسفل حتى ألامس يديها وبعض أشيائها ثم أعود معه للأعلى ﻷنبهر بكثافته ولمعانه المنعكس من ضوء النافذة ..أنا حقا أعيش أجمل لحظات حياتي !! سلمى في عالمها الخاص جدا و..وأنا ..أنا وحدي معها فيه!
..سلمى التي أنا في عالمها فتاة لا يمكن أن يفلت من عشقها أحد أبدًا! ..أنا لا أريد أن تنتهي هذه اللحظات! أنا و سلمى ..في عالمها ..وحدنا !!
.. يتبع..
تعليقات
إرسال تعليق